Translate

Monday, May 20, 2013

نظرية افعال الكلام

لعادل الثامري
((كتب ارسطو في الفصل الاول من كتاب التأويل :”كل جملة ذات دلالة(…)لكن ليس كل جملة هي تقريرية الا تلك التي فيها صدق او كذب.ليس هناك من صدق او كذب في كل الجمل :فالدعاء جملة لكنها ليست صادقة و لا كاذبة))
لقد بقيت اراء ارسطو نافذة وقوية الى القرن التاسع عشر و كان اول من عارض افكاره هذه الفيلسوف توماس رايد الذي طرح فكرة ” العمليات الاجتماعية”اوالافعال الاجتماعية” في مقابل ” الافعال الاحادية” ، اما اول درس منظم لافعال الكلام فكان من قبل الفيلسوف الالماني الظاهراتي ادولف رايناخ الذي تناول الوعد و الطلب و الامر .. الخ تحت مسمى “الافعال الاجتماعية”. اما هوسيرل فقد بنى على طروحات سابقة نظرية ” الافعال التشييئية”، ام العمل الاول الذي حمل مصطلح “نظرية لافعال الكلام” فهو كتاب بوهلر “نظرية اللغة”(1934) و استنادا لبوهلر فان كل استعمال للغة لابد وان يظهر واحدة من الوظائف : التمثيل او التعبير اوالابتداء.
كان للفيلسوف الانكليزي جي ال اوستن الفضل في التنظير الاول لنظرية افعال الكلام في اللسانيات الحديثة عبر العديد من المحاضرات التي نشرت بعد وفاته في كتاب حمل عنوان كيف نفعل الاشياء بالكلمات (1962). لقد ركز اوستن على فكرة اننا عندما نتفوه بالملفوظات لا نقوم بالاخبار فقط ، اي ان بعض الملفوظات لا يمكن الحكم على انها خاطئة او صائبة .كما اننا نقوم بانجاز افعال بالالفاظ .
ان التفوه بالملفوظات هو فعل معين فمثلا عندما يقول متكلم ما :” اني اعتذر عن التأخير” فهو الى جانب فعل التفوه قد قام بفعل الاعتذار. و من هنا فالتفوه ببعض العبارات ينتج عنه عقد الرهان مثلا او التهديد او الاعتذار او الشكر .. الخ . و مثل الجملة السابقة الكثير في اللغة و التي لا يمكن الحكة بصوابها او خطأها و الافعال المستعملة في مثل هذه الجمل تسمى الافعال الانجازيةمثل اعتذر، اشكر،اصادق،اقبل ،اطلب .. الخ.
و من المظاهر النحوية لمثل هذه الجمل الانجازية ان تكون في صيغة الزمن المضارع و الفاعل بصيغة ضمير الشخص الاول . ويمكن ان تقسم الجمل الانجازية ، على وفق التوصيف الذي اقترحه اوستن، الى جمل انجازية ظاهرة و جمل انجازية ضمنية. فالنوع الاول هي تلك الجمل التي يظهر فيها الفعل الانجازي مثل الجملة ” اراهنك بخمسين الفا على فوزه” او الجملة ” اعدك بالحضور” . اما النوع الثاني فهي الجمل التي لا تظهر فيها الافعال الانجازية مثل اخرج من الغرفة!” حيث لا يظهر الفعل الانجازي “اطلب ” فيها ، و مثل هذه الجملة جملة ” هناك مرض معد في المدينة” فقد تكون هذه الجملة تحذيرا وقد تكون اخبارا فقط.
ان الاختلاف بين هذين النوعين قاد الى التمييز بين ثلاثة انواع من الافعال التي ينجزها الملفوظ.لقد اطلق اوستن على افعال الكلام التي يمكن ان تؤدى و لكن ليس بالضرورة بواسطة الصيغة الاساسية للملفوظات الانجازية اسم الافعال اللالفظية و هي في الحقيقة مستوى من مستويات فعل الكلام الذي ينجزه المرء بمجرد النطق بالجملة مما يعني ان افعال الكلام ليست مجرد اصدار اصوات ، لذلك يميز اوسن ثلاثة مستويات للفعل: فعل النطق بالاشياء وهو الفعل اللفظي و ما يفعله المرء عند قوله وهو الفعل اللالفظي و ما تأثير قوله و هو الفعل التأثيري.و لنأخذ المثال التالي للتوضيح فعندما يقول صاحب المطعم “سيغلق المطعم بعد ربع ساعة” فانه ينجز فعلا لفظيا أي فعل نطق الكلمات كما انه ينجز فعلا من نوع اخر و هو حث الزبائن على طلب ما يريدون قبل الاغلاق، في حين ان تلقي الفعل اللالفظي و هو فهم المتلقين يعد النوع الثالث من افعال الكلام و هو يعتمد على قصدية صاحب المطعم في اداء فعل تأثيري يجعل الزبائن يطلبون ما يريدون قبل الاغلاق.
لقد جاءت نظرية افعال الكلام بالتمييز بين الاستعمالات الاعتيادية و التطفلية للغة و اشار اليها اوستن في كتابه فالجملة”امرك بالعودة الى الثكنة” هي فعل كلام اعتيادي اذا كانت موجهة الى تابع عسكري. لكن مثل هذه الجملة قد توجد في رواية او مسرحية ، و بالتالي فأن الممثل ’ مثلا، عندما يتفوه بالجملة عند اداءه دور في مسرحية فهو لا ينطق بأمر. و مثال اخر انه عندما يستعمل مؤلف رواية جملة” قابل الولد اخته عند البوابة” و على لسان الراوي، فهو لا يقطع القول بأن مثل هذا اللقاء قد حصل فهو يتظاهر بالقطع و هذا ينطبق على الكثير من الاقوال التي تستعمل في النكتة.
في هذا الاطار ثمة موقفان في نظرية افعال الكلام فيما يخص ما يجعل من الاستعمال اللغوي تطفليا. الموقف الاول يتخذه اوستن و الثاني جون سيرل. بالنسبة لاوستن ، فان ما يجعل الامر امرا و الالزام الزاما هو الموقف الكلي ( السياق الكلي) الذي يستعمل فيه الملفوظ. و عموما قد يتألف الموقف الكلي من الحقائق ذات العلاقة بما فيها مقاصد المستعمل التي تحدد نوع الموقف – مثلا صدق العلاقة القائمة بين المتكلم و السامع ليكون الاول امرا للثاني ، و من هذه الحقائق ان كان المتكلم يقرأ قصيدة او يقتبس من جريدة او يمثل في مسرحية.
اما سيرل فيرى انالاستعمال اللغوي يتحدد – اعتياديا ام تطفليا – بموجب قصد المؤلف، فلابد للمؤلف ان يكون متكلما كفوءا للغة . لذا فان شخصا يعرف كيف يتكلم الانكليزية، مثلا، سيكون قادرا على تأليف قصص او يمثل في مسرحيات. يقدم سيرل قواعدا لاداء افعال الكلام الاعتيادية مثل الامر او الوعد و يتجاهل الحالات “الهامشية” عند وضع القواعد. لذلك فهو يميز بين : (ا)افعال الكلام الاعتيادية الظاهرة ،(ب)افعال الكلام الاعتيادية الهامشية،(ج)افعال الكلام التطفلية . و يعترف سيرل ان قواعده لافعال الكلام هي قواعد لافعال كلام مثالية.
ويرى دريدا اننا لا نستطيع التمييز بين الاستعمالات الاعتيادية للغة مثل قطع الوعد و الامر …الخ و استعمالات اللغة المعتمدة او ” التطفلية” على الاستعمالات الاعتيادية مثل تلك الالفاظ التي يتفوه بها الممثلون على خشبة المسرح او الالفاظ التي يستعملها الروائيون في الروايات و القصص لوصف المواقف و الفاظ الشعراء في قصائدهم عند استعمال الاستعارة و المجاز،كما يرى اننا لا يمكن ان نميز مفاهيميا بين الاستعمالين- الاعتيادي و التطفلي.

No comments: